الثلاثاء، 15 يناير 2013

الحذاء الضيق للسعادة ... لــ أحلام مستغانمي

لا يمكن لشخص أن يحظى بكل النِّعم، فلكلِّ نعمة ما يُعادلها من ضريبة، حتى لتـبـدو النِّعمة حين تتجاوز حدّها، لعنَة وقصاصاً، لا يُحسَد صاحبها عليها.

فالجمال الصارخ، صنع تعاسة مارلين مونرو، وأوصلها، تماماً كما أوصل داليدا ورومي شنايدر، إلى الانتحار. والوسامة والجاه والثراء الفاحش، أدّت "بفتى أميركا الذهبي" جون جون كيندي، ابن الرئيس الراحل جون كيندي، إلى الموت في حادث مريع، إثر سقوط طائرته الخاصة التي كان يقودها بنفسه.


والشهرة التي تستبيح الحياة كلّ لحظة، قضت على أميرة القلوب ديــانــا، وحرمتها من أن تعيش قصّة حبّها الكبير، وتهنأ أخيراً مع رجل. لذا، يخشى العقلاء طفرة النعمة، ويدفعون البلاء بعدم الإفراط في النّعم، بل وبالتقشّف في السعادة الماديّة، حفاظاً على نِعَم الصحة والبنين والأمان، التي من دونها لا هناء لإنسان.

شخصيــاً، تصيبني النّعَم الماديّة بالذُّعـر، خشية أن يأخذ الله مُقابلها ما هو أهم، كالحبّ الذي ما استطاعت صديقاتي شراءه، على الرغم من ثرائهنّ الفاحش، فأفسد فقدانه عليهنّ كلِّ مباهج الحياة.قرأتُ مرّة، أن كازنتازكي، الذي حتماً لا يختلف عن بطل روايته زوربا في تعامله مع الحياة، بتلك الطريقة الفلسفيّة النادرة، التي خلقت له ملايين الأتباع بين قرّائه في العالم، كتب في سيرته الذاتيّة، أنّه كان يزور أثينا، المدينة التي ملأته بالدهشة والحبور، وقد سعِد يومها سعادة بالغة، أوصلته إلى الذعـر، لشعوره بأنّ الشياطين أخذت تُراقبه وتترصَّده. ولأنّه يُؤمِن بأنّ لكلِّ سعادة ثمناً، هرع إلى السوق واشترى حذاءً ضيقاً وانتعله ليضغط على قدميه بشدّة، فيتألَّم أثناء تجواله في المدينة. الكاتب الذي علّمنا أن نحتاط من السعادة، ونحتفي بالفجائع حدَّ الرقص، فضَّل بذلك الحذاء الضيِّق الذي انتعله، أن يدفع ثمناً يعرفه لهذه السعادة التي يعيشها، بدل أن يترقَّـب ثمناً غيبيّا سيهبط على رأسه، كوارث ومصائب من حيث لا يحتسب.

أتكون النعمة الحقيقية في النهاية هي في أن تستطيع اختيار مصائبك، ومصدر ألمك، فتشتري سريراً لا ترتاح في النوم عليه، كي تكفّر عن إثم سعادتك في النهار، وتنتَعِل في النهار حذاءً أضيق من قدميك، تكفيراً عن عناوين السعادة التي يُوصلك إليها، وتشقَى في القيام بالأشغال المنزلية في بيتك، أكثر من شقاء شغّالة هي في متناول جيبك، كي تحلّ البركة في ذلك البيت، ولا يأتي يوم يُسلّط الله فيه عليك سيداً، أو تستيقظ يوماً، ولا بيت لك؟ والمثل واقعيٌّ جدا. فأحد أقارب العائلة كان حتى وقت قريب يملك، ما لا يمكن حصره من ثروة، واستيقظ قبل شهرين مُفلساً، فلا يخــت ولا قصور ولا شركات، وقد لا يستطيع الحفاظ حتى على البيت الذي يسكنه.

عندما زارنا مؤخراً، بحثاً عن المواساة، ما كنت لأتنبَّه للحذاء الذي كان ينتعله، لولا أن جلده الفاخر الطريّ وتصميمه الراقي لفَتَا انتباهي، فتمنيته لزوجي الذي لم يوفّق يوماً في شراء حذاء يُريح قدميه، المهددتين بأعراض مرض السكريّ، لأنّه، مثلي، بخيل على نفسه، سخيٌّ على سواه، ما اشتريت له بدلة أو قميصاً، فاخراً إلاّ وتركه لغسّان، ابني المقيم في لندن، بذريعة أنّه يحتاج إليه أكثر، مذ أصبح موظفاً مهماً في البنك!

أيكون في أحذية زوجي البائسة سرُّ سعادته.. وطمأنينته، وذلك الأمان الذي يشعر به كلُّ مَن يُجالسه؟ وهل في الأحذية الفاخرة فوق المعقول لعنة تُطارد أصحابها؟

                                                         عَـــادِل حَسَــب اـلّـه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق